سيرة الشيخ سعيد العنبتاوي


الشيخ المقرئ سعيد العنبتاوي
 
اسـمــه ومولده :أبو أحمد سعيد بن أحمد بن علي آل عدس العنبتاوي، نسبة إلى قرية عَنَبتا التابعة لمدينة جنين بفلسطين.

ولد الشيخ سعيد في قرية الحدثة، وهي من قرى مدينة طبريا بفلسطين، في عام: 1927 م / 1345هـ.
وفي سن الخامسة من عمره فقد الشيخ سعيد بصره.
نشأته وحفظه للقران الكريم :وكانت نشأة الشيخ سعيد في بيت علم ودين، حيث كان والده الشيخ أحمد من العلماء الذين تخرجوا من المدرسة الأحمدية في مدينة عكا، وهي مدرسة شرعية توازي الأزهر في مصر في تلك الفترة. وكان والده إماما وموظفاً لدى الحكومة العثمانية، وكان متنقلاً من بلد إلى بلد، حتى استقر في قرية الحدثة. وعندما استعمرت بريطانيا فلسطين انتهت وظيفة الشيخ أحمد لدى الحكومة العثمانية؛ للظروف التي ألمت بالأمة في تلك الفترة. وأصبح إماماً لمسجد القرية على نفقة أهلها.

في هذه الأجواء نشأ الشيخ سعيد، وبعد فقدانه بصره لقي من والده عناية خاصة حيث بدأ بتحفيظه القرآن الكريم، وكان يكلف الأخ الأكبر لسعيد - عبد الله - أن يحفظه ويقرأ له الحصة المطلوبة للحفظ، ويعاقبه إن قصر في هذه المهمة.

ولما بلغ الشيخ سعيد التاسعة من عمره أتـمّ حفظ القرآن الكريم كاملاً، وأتمّ معه أخوه عبدالله كذلك، وكان ذلك في عام 1936 م .وفي نفس هذا العام حصل الإضراب المشهور الذي استمر ستة شهور متتالية، وعلى إثر ذلك الاضراب سجن والد الشيخ سعيد الشيخ أحمد في سجن عكا، وهو سجن معروف في ذلك الوقت، وبعد خروج الشيخ أحمد من السجن أخذ ابنه سعيداً إلى القدس وسجله بمدرسة الأيتام الإسلامية، حيث كان فيها قسم خاص للمكفوفين*، فتعلم الشيخ سعيد في تلك المدرسة، وفي تلك الفترة توفي والده الشيخ أحمد رحمه الله تعالى. وفي تلك المدرسة تعلم الشيخ سعيد صنع الفراشي والمكانس والكراسي، وتعلم كتابة بريل. ووصل الشيخ سعيد في هذه المدرسة للصف السادس الابتدائي، حيث درس عدّةعلوم من تاريخ وجغرافيا ولغة إنجليزية… إلى غير ذلك.

وبعد تخرجه من المدرسة، عمل في حيّ يهودي في القدس اسمه (محنا يـهوده) حتى يكفل عيشه، لكنه لم يستمر في ذلك؛ حيث لاحظ على نفسه أنه بدأ ينسى حفظه للقرآن، وكان والده يوصيه بأن يحرص على كتاب الله ولا ينساه. فترك هذه المهنة ووظّف في تلك الفترة مؤذنا في المسجد الأقصىعلى مئذنة باب الأسباط الشمالية، وكان ذلك في عام 1941 م.
وفي نفس هذا العام، في شهر رمضان، حضر إلى المسجد الأقصى الشيخ منصور الشامي الدمنهوري، والشيخ محمود محمود هاشم من مصر؛ للقراءة فيه في شهر رمضان، فالتقى بـهما الشيخ سعيد فوجهوه وشجعوه بأن يذهب إلى مصر؛ لتعلم القرآن والقراءات.
رحلته إلى مصر لتعلّم القرآن والقراءات :بعد ذلك سافر الشيخ سعيد الى مصر، حيث مرّ في طريقه على عدّة مدن،بدأت من القدس إلى الخليل إلى غزة إلى خان يونس، وكان ذلك بالباصات، ومن خان يونس أراد أن يركب القطار للسفر لمصر، لكنه كان لا يحمل جوازاً للسفر، ولذلك أُنزِل الشيخ سعيد من القطار على حدود رفح، وفي منطقة رفح تعرف الشيخ على شخص مصري ضرير له خبرة بالطريق، فسافر معه الشيخ سعيد إلى القاهرة مشياً على الأقدام من رفح إلى القنطرة،وتقدر المسافة بـ 142 كم.
وكانت الرحلة بالمشي على السكة الحديدية للقطار… وفي أثناء الرحلة قبل العريش وعند نقطة تسمى نقطة الشيخ زويّد جاء القطار على هذه السكةفهرب الشيخ سعيد وصاحبه إلى جوانب السكة، فوقعا، وأصيب الشيخ سعيد ببعض الإصابات البسيطة، ومرض على إثر ذلك أيضاً، وعند وصولهما إلى العريش مكثا أسبوعا في مسجدها، حتى استرد عافيته، وأكملا بعد ذلك رحلتهما إلى القنطرة. حيث وصلاها في خلال أربعة عشريوماً، ثم ركبا العبارة لعبور البحر، وبعد هذا السفر الشاق وصلا إلى القاهرة. وكان ذلك عام 1942 م.
ثم دخل الشيخ سعيد الأزهر وسكن رواق الشام، وكان شيخ الرواق الشيخ عيسى منّون -رحمه الله - حيث خصص للشيخ سعيد ستين قرشاً في الشهر، ورغيفي خبز، وسكنا في السكن الداخلي للطلاب، وفي تلك الفترة سأل الشيخ سعيد عن مشايخ يعلمون القراءات، فأرشد إلى شيخ في شبرا القاهرة، في مسجد الخازندار، وهو الشيخ محمد بن عبدالنبي بن عبد اللطيف الرّهاوي.
وكان الشيخ سعيد يحضر حلقات العلم من الصباح إلى الظهر في الأزهر، وبعد العصر يذهب إلى الشيخ الرهاوي؛ ليقرأ عليه إلى ما بعد المغرب، وبعد ذلك يرجع إلى رواق الشام في الأزهر. ودرس الشيخ سعيد في حلقات الأزهر متون العربية والفقه والحديث مثل الألفية والآجرومية وغير ذلك من العلوم الشرعية.
ومكث الشيخ سعيد في مصر أربع سنوات من عام1942 م الى1947م، حيث قرأ على شيخه الرهاوي القراءات العشر الكبرى، من طريق طيبة النشر لابن الجزري حفظاً وشرحاً وأجازه بذلك. وأجازه بعد ذلك في القراءات العشر الصغرى،
وفي فترة وجوده في مصر لم يلتق بغير شيخه الرهاوي من شيوخ القراءات، لكنه بعد ختمه عند شيخه التقى وتعرف على الشيخ عامر بن السيد عثمان، والشيخ عثمان سليمان مراد لكنه لم يقرأ عليهما.
رحلته إلى بيروت :بعد ذلك رجع الشيخ سعيد إلى بلدته عنبتا بفلسطين، لكنه لم يطب له المقام فيها، فرحل إلى القدس فلم تتيسر له وظيفة فيها، فخرج منها إلى عمان، ومن عمان إلى دمشق.وفي دمشق عمل الشيخ سعيد قارئاً للقرآن. ومن المشايخ الذين قابلهم في دمشق: القارئ الجامع محمد بن أحمد السطل اليافاوي، والشيخ داوودالنابلسي، والشيخ محمد علي الحلبي، الذي قرأ على الشيخ محمد الحلواني من طريق الشاطبية والدرة.
ومكث الشيخ سعيد قي دمشق شهرين فقط، حيث رحل بعدها إلى بيروت، وهناك التقى وتعرف إلى الشيخ توفيق خالد مفتي لبنان في زمنه. وكان الشيخ توفيق - رحمه الله - قد أكرم الشيخ سعيد كثيراً، ووظفه في بيروت في أحد المساجد مؤذناً وإماماً وقارئاً للسورة في يوم الجمعة ومدرساً للقرآن الكريم.
وكان الشيخ سعيد صاحب صوت جميل، وكان يذهب صباح كل جمعة للإفطار عند الشيخ توفيق برفقة الشيخ المقرئ محمد صلاح الدين كبّارة من طرابلس، والشيخ عبدالرؤوف الكبّة، حيث يقرؤون عنده القرآن من السابعة الى الثامنة، ثمّ يفطرون. وفي فترة إقامته في بيروت في عام 1948 م تزوّج زواجه الأوّل، ثمّ في عام 1957 م تزوّج للمرّة الثانية. وله من  الأولاد أربعة ذكور وثلاث إناث. وفي فترة وجوده في لبنان التقى بشيخه الرّهاوي، وقرأ عليه قراءة الإمام نافع من طريق الشاطبية، على ما جاء في منظومتي الشيخ المتولّي والشيخ الضّبّاع وأجازه بها. وكان الشيخ سعيد يودّ أن يقرأ على شيخه الرّهاوي الأربعة الشّواذ لكن الظروف لم تتيسر له. وبقي الشيخ سعيد في بيروت ثمانية وعشرين عاماً، أي من سنة 1947 م إلى 1975 م. بعد ذلك رحل الشيخ إلى عمان، ووظّف في وزارة الأوقاف مفتشاً على دور القرآن الكريم بعمان، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة الزرقاء، وعيّن إماما لمسجد عبدالله بن أم مكتوم في منطقة الرّصيفة من عام 1975 م الى1997 م. وبدأ الشيخ سعيد عمله في مسجده بإنشاء دار القرآن الكريم، وبدأ يعلم القرآن ويحفظه لطلابه.
 
 
من أبرز تلاميذ هذا الشيخ الجليل
الشيخ الدكتور حاتم التميمي، وهو الآن يدرس في الخليل
 
بقي أن نقول أن الشيخ رحمه الله وتقبله: توفي يوم الخميس: 22/ 7/ 1998الموافق: 27/ 3/ 1419 هـ.
 
 
رحمه الله رحمة واسعه وأدخله فسيح جنانه..
 

الأعمى والمكفوف والضرير ألفظ مترادفة لمن فقد بصره. قال ابن منظور في اللسان " والمكفوف: الضَّرير والجمع المكافِيفُ،وقد كُفَّ بصرُه وكَفَّ بصرُه كَفّاً ذهَب، ورجل مَكْفوف أَي أَعمى وقد كُفَّ"، وأما الأعمش فهو مريض العينين ضعيف البصر الذي لم يفقده بالكلية.


هناك تعليق واحد:

  1. رحم الله الشيخ فقد كان صاحب علم وخلق رفيع. أسأل الله تعالى العلي القدير أن يجعلنا وإياه من أهل الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..... وعوض الله الأمة بفقده خيرا.

    ردحذف